فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الوقوف:

{وتولى} o لا {الأعمى} o ط {يزكى} o لا {الذكرى} o ط {استغنى} o لا {تصدى} o ط {يزكى} o {يسعى} o لا {يخشى} o {تلهى} o ز لأن {كلا} للردع فلا يوقف أو بمعنى حقاً فيوقف {تذكرة} o ج للشرط بعده مع الفاء {ذكره} o م لأن الظرف لا يجوز أن يتعلق بما قبله ولكنه خبر مبتدأ محذوف أي هو في صحف {مكرمة} o لا {مطهرة} o لا {سفرة} o ز {بررة} ط {أكفره} o ط {خلقه} o ز لأن الجواب محذوف أي خلقه من {نطفة} ط {فقدّره} o لا {يسره} o ز {فأقبره} o لا {أنشره} o ط بناء على أن {كلا} بمعنى حقاً ولا يصلح للردع وجه كما يجيء {أمره} o ط {إلى طعامه} o ز إلا لمن قرأ {أنا} بالفتح {صباً} o لا {شقاً} o لا {حبًّا} o ز {وقضباً} o ك {ونخلاً} o ك {غلباً} o ك {وأباً} o لا {ولأنعامكم} o ط {الصاخة} o ز فإن الأوضح أن يكون {يوم} ظرف {جاءت} وجوز أن يكون مفعول (اذكر) محذوفاً والعامل مقدّر أي فإذا جاءت الصاخة كان ما كان {أخيه} لا {وأبيه} o ك {وبنيه} o ط {يغنيه} o ك {مسفرة} o لا {مستبشرة} o ج فصلاً بين حالتي الفئتين مع اتفاق الجملتين {غبرة} o لا {قترة} o {الفجرة} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{عبس وَتولى (1)} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم وأم مكتوم أم أبيه واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤى وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام، رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أقرئني وعلمني مما علمك الله، وكرر ذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه فنزلت هذه الآية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه، ويقول: إذا رآه «مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي» ويقول: «هل لك من حاجة» واستخلفه على المدينة مرتين.
وفي الموضع سؤالات:
الأول:
أن ابن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزجر، فكيف عاتب الله رسوله على أن أدب ابن أم مكتوم وزجره؟ وإنما قلنا: إنه كان يستحق التأديب لوجوه أحدها: أنه وإن كان لفقد بصره لا يرى القوم، لكنه لصحة سمعه كان يسمع مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الكفار، وكان يسمع أصواتهم أيضاً، وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنهم، فكان إقدامه على قطع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإلقاء غرض نفسه في البين قبل تمام غرض النبي إيذاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وذلك معصية عظيمة وثانيها: أن الأهم مقدم على المهم، وهو كان قد أسلم وتعلم، ما كان يحتاج إليه من أمر الدين، أما أولئك الكفار فما كانوا قد أسلموا، وهو إسلامهم سبباً لإسلام جمع عظيم، فإلقاء ابن أم مكتوم، ذلك الكلام في البين كالسبب في قطع ذلك الخير العظيم، لغرض قليل وذلك محرم وثالثها: أنه تعالى قال: {إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الحجرات أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] فنهاهم عن مجرد النداء إلا في الوقت، فههنا هذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان وكالقاطع على الرسول أعظم مهماته، أولى أن يكون ذنباً ومعصية، فثبت بهذا أن الذي فعله ابن أم مكتوم كان ذنباً ومعصية، وأن الذي فعله الرسول كان هو الواجب، وعند هذا يتوجه السؤال في أنه كيف عاتبه الله تعالى على ذلك الفعل؟.
السؤال الثاني:
أنه تعالى لما عاتبه على مجرد أنه عبس في وجهه، كان تعظيماً عظيماً من الله سبحانه لابن أم مكتوم، وإذا كان كذلك فكيف يليق بمثل هذا التعظيم أن يذكره باسم الأعمى مع أن ذكر الإنسان بهذا الوصف يقتضي تحقير شأنه جدًّا؟.
السؤال الثالث:
الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام كان مأذوناً في أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة، وأنه عليه الصلاة والسلام كثيراً ما كان يؤدب أصحابه ويزجرهم عن أشياء، وكيف لا يكون كذلك وهو عليه الصلاة والسلام إنما بعث ليؤدبهم وليعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان كذلك كان ذلك التعبيس داخلاً في إذن الله تعالى إياه في تأديب أصحابه، وإذا كان ذلك مأذوناً فيه، فكيف وقعت المعاتبة عليه؟ فهذا جملة ما يتعلق بهذا الموضع من الإشكالات والجواب عن السؤال الأول من وجهين الأول: أن الأمر وإن كان على ما ذكرتم إلا أن ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء، فلهذا السبب حصلت المعاتبة، ونظيره قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشى} [الأنعام: 52]، والوجه الثاني: لعل هذا العتاب لم يقع على ما صدر من الرسول عليه الصلاة والسلام من الفعل الظاهر، بل على ما كان منه في قلبه، وهو أن قلبه عليه الصلاة والسلام كان قد مال إليهم بسبب قرابتهم وشرفهم وعلو منصبهم، وكان ينفر طبعه عن الأعمى بسبب عماه وعدم قرابته وقلة شرفه، فلما وقع التعبيس والتولي لهذه الداعية وقعت المعاتبة، لا على التأديب بل على التأديب لأجل هذه الداعية والجواب عن السؤال الثاني أن ذكره بلفظ الأعمى ليس لتحقير شأنه، بل كأنه قيل: إنه بسبب عماه استحق مزيد الرفق والرأفة، فكيف يليق بك يا محمد أن تخصه بالغلظة والجواب عن السؤال الثالث أنه كان مأذوناً في تأديب أصحابه لكن هاهنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وكان ذلك مما يوهم ترجيح الدنيا علي الدين، فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة.
المسألة الثانية:
القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام تمسكوا بهذه الآية وقالوا: لما عاتبه الله في ذلك الفعل، دل على أن ذلك الفعل كان معصية، وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين لا بحسب هذا الاعتبار الواحد، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا كان كذلك، كان ذلك جارياً مجرى ترك الاحتياط، وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنباً ألبتة.
المسألة الثالثة:
أجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى، هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وأجمعوا على أن الأعمى هو ابن أم مكتوم، وقرئ {عبس} بالتشديد للمبالغة ونحوه كلح في كلح، {أن جاءه} منصوب بـ: {تولى} أو بـ: {عبس} على اختلاف المذهبين في إعمال الأقرب أو الأبعد ومعناه عبس، لأن جاءه الأعمى، وأعرض لذلك، وقرئ {أن جاءه} بهمزتين، وبألف بينهما وقف على {عبس وتولى} ثم ابتدأ على معنى ألآن جاءه الأعمى، والمراد منه الإنكار عليه، واعلم أن في الأخبار عما فرط من رسول الله ثم الإقبال عليه بالخطاب دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانياً جنى عليه، ثم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً بالتوبيخ وإلزام الحجة.
{وَمَا يُدْرِيكَ لعله يَزَّكَّى (3) أَوْ يذكر فتنفعه الذِّكْرَى (4)}
فيه قولان: الأول: أي شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى لعله يتطهر بما يتلقن منك، من الجهل أو الإثم، أو يتعظ فتنفعه ذكراك أي موعظتك، فتكون له لطفاً في بعض الطاعات، وبالجملة فلعل ذلك العلم الذي يتلقفه عنك يطهره عن بعض مالا ينبغي، وهو الجهل والمعصية، أو يشغله ببعض ما ينبغي وهو الطاعة الثاني: أن الضمير في {لعله} للكافر، بمعنى أنت طمعت في أن يزكى الكافر بالإسلام أو يذكر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق: {وَمَا يُدْرِيكَ} أن ما طمعت فيه كائن، وقرئ {فتنفعه} بالرفع عطفاً على {يذكر}، وبالنصب جواباً للعل، كقوله: {فَأطَّلِعَ إلى إله موسى} [غافر: 37] وقد مر.
{أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)}
قال عطاء: يريد عن الإيمان، وقال الكلبي: استغنى عن الله، وقال بعضهم: استغنى أثرى وهو فاسد ههنا، لأن إقبال النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن لثروتهم ومالهم حتى يقال له أما من أثرى، فأنت تقبل عليه، ولأنه قال: {وَأَمَّا مَن جَاءكَ يسعى وَهُوَ يخشى} [عبس: 9 8] ولم يقل: وهو فقير عديم، ومن قال: أما من استغنى بماله فهو صحيح، لأن المعنى أنه استغنى عن الإيمان والقرآن، بماله من المال.
{فَأَنْتَ لَهُ تصدى (6)}
قال الزجاج: أي أنت تقبل عليه وتتعرض له وتميل إليه، يقال تصدى فلان لفلان، يتصدى إذا تعرض له، والأصل فيه تصدد يتصدى من الصدد، وهو ما استقبلك وصار قبالتك، وقد ذكرنا مثل هذا من قوله: {إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] وقرئ: {تصدى} بالتشديد بإدغام التاء في الصاد، وقرأ أبو جعفر: {تصدى}، بضم التاء، أي تعرض، ومعناه يدعوك داع إلى التصدي له من الحرص، والتهالك على إسلامه.
{وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)}
المعنى لا شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه إلى الإسلام، فإنه ليس عليك إلا البلاغ، أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم إلى أن تعرض عمن أسلم للاشتغال بدعوتهم.
{وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9)}
أن يسرع في طلب الخير، كقوله: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} [الجمعة: 9].
وقوله: {وَهُوَ يخشى} فيه ثلاثة أوجه يخشى الله ويخافه في أن لا يهتم بأداء تكاليفه، أو يخشى الكفار وأذاهم في إتيانك، أو يخشى الكبوة فإنه كان أعمى، وما كان له قائد.
{فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)} أي تتشاغل من لهى عن الشيء والتهى وتلهى، وقرأ طلحة بن مصرف.
{تتلهى}، وقرأ أبو جعفر {تلهى} أي يلهيك شأن الصناديد، فإن قيل قوله: {فَأَنتَ لَهُ تصدى..} {فَأَنتَ عَنْهُ تلهى} كان فيه اختصاصاً، قلنا نعم، ومعناه إنكار التصدي والتلهي عنه، أي مثلك، خصوصاً لا ينبغى أن يتصدى للغني، ويتلهى عن الفقير. اهـ.

.قال القرطبي:

{عبس وَتولى (1)} فيه ست مسائل:
الأولى قوله تعالى: {عبس} أي كلح بوجهه؛ يقال: عبس وبَسَر.
وقد تقدّمَ.
{وتولى} أي أعرض بوجهه {أَن جاءه} (إن) في موضع نصب لأنه مفعول له، المعنى لأن جاءه الأعمى، أي الذي لا يبصر بعينيه.
فروى أهل التفسير أجمع أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أمّ مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَقْطَع عبدُ الله عليه كلامه، فأعرض عنه، ففيه نزلت هذه الآية.
قال مالك: إن هشام بن عُروة حدّثه عن عروة، أنه قال: نزلتْ {عبس وتولى} في ابن أمّ مكتوم؛ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا محمد استدنني، وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُعرِض عنه ويُقْبل على الآخر، ويقول: «يا فلان، هل ترى بما أقول بأساً» فيقول: لا والدُّمَى ما أرى بما تقول بأساً؛ فأنزل الله: {عبس وتولى}.
وفي الترمذي مسنداً قال: حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأُموي، حدّثني أبي، قال هذا ما عرضنا على هشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة، قالت: نزلت {عبس وتولى} في ابن أمّ مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْرض عنه، ويُقْبل على الآخر، ويقول: «أترى بما أقول بأساً» فيقول: لا؛ ففي هذا نزلت؛ قال: هذا حديث غريب.
الثانية الآية عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم.
ويقال: عمرو بن أم مكتوم، واسم أمّ مكتوم عاتكة بنت عامر بن مخزوم، وعمرو هذا: هو ابن قيس بن زائدة بن الأصمّ، وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها.
وكان قد تشاغل عنه برجل من عظماء المشركين، يقال كان الوليد بن المغيرة.
ابن العربي: قاله المالكية من علمائنا، وهو يكني أبا عبد شمس.
وقال قتادة: هو أمية بن خلص وعنه: أبيّ بن خلف.
وقال مجاهد: كانوا ثلاثة عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبيّ بن خلف.
وقال عطاء عتبة بن ربيعة.
سفيان الثوري: كان النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس.
الزمخشري: كان عنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، أبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خَلَف، والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام، رَجاء أن يُسْلم بإسلامهم غيرهم.
قال ابن العربيّ: أما قول علمائنا إنه الوليد بن المغيرة فقد قال آخرون إنه أمية بن خلف والعباس وهذا كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين، ذلك أن أمية بن خلف والوليد كانا بمكة وابن أمّ مكتوم كان بالمدينة، ما حضر معهما ولا حضرا معه، وكان موتهما كافرين، أحدهما قبل الهجرة، والآخر ببدر، ولم يقصد قط أمية المدينة، ولا حضر عنده مفرداً، ولا مع أحد.
الثالثة أقبل ابن أمّ مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى، وقد قوِي طمعه في إسلامهم، وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم، فجاء ابن أمّ مكتوم وهو أعمى فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، وجعل يناديه ويكثر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بغيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعة كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء: إنما أتباعه العُميان والسَّفلة والعبيد؛ فعبس وأعرض عنه، فنزلت الآية.
قال الثَّوريّ: فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أمّ مكتوم يبسط له رداءه ويقول: «مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي».
ويقول: «هل من حاجة»؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما.
قال أنس: فرأيته يوم القادسية راكباً وعليه درع ومعه راية سوداء.
الرابعة قال علماؤنا: ما فعله ابن أمّ مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصُّفَّة؛ أو ليعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني، وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيراً أصلح وأولى من الأمر الآخر، وهو الإقبال على الأغنياء طمعاً في إيمانهم، وإن كان ذلك أيضاً نوعاً من المصلحة، وعلى هذا يخرج قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى} [الأنفال: 67] الآية.
على ما تقدّم.
وقيل: إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تأليف الرجل، ثقة بما كان في قلب ابن أمّ مكتوم من الإيمان؛ كما قال: «إني لأصل الرجل وغيره أحب إلى منه، مخافة أن يكُبه الله في النار على وجهه».
الخامسة قال ابن زيد: إنما عبس النبي صلى الله عليه وسلم لابن أمّ مكتوم وأعرض عنه؛ لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه، فدفعه ابن أمّ مكتوم، وأبى إلا أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلمه، فكان في هذا نوعُ جفاء منه.
ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلى الله عليه وسلم: {عبس وتولى} بلفظ الإخبار عن الغائب، تعظيماً له ولم يقل: عبستَ وتوليتَ.
ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيساً له فقال: {وَمَا يُدْرِيكَ} أي يعلمك {لعله} يعني ابن أمّ مكتوم {يزكى} بما استدعى منك تعليمه إياه من القرآن والدين، بأن يزداد طهارة في دينه، وزوال ظلمة الجهل عنه.
وقيل: الضمير في {لعله} للكافر يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكر، فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما يُدْريك أن ما طمعت فيه كائن.
وقرأ الحسن {آأَن جاءه الأعمى} بالمدّ على الاستفهام ف (إن) متعلقة بفعل محذوف دل عليه {عبس وتولى} التقدير: آأن جاءه أعرض عنه وتولى؟ فيوقف على هذه القراءة على {وتولى}، ولا يوقف عليه على قراءة الخبر، وهي قراءة العامة.
السادسة نظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي} [الأنعام: 52] وكذلك قوله في سورة الكهف: {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا} [الكهف: 28] وما كان مثله، والله أعلم: {أَوْ يذكر} يتعظ بما تقول {فتنفعه الذكرى} أي العظة.
وقراءة العامة {فتنفعه} بضم العين، عطفاً على {يَزَّكَّى}.
وقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وعيسى {فتنفعه} نصباً.
وهي قراءة السُّلمِيّ وزِرّ بن حُبَيش، على جواب لعل، لأنه غير موجَب؛ كقوله تعالى: {لعلي أَبْلُغُ الأسباب} [غافر: 36] ثم قال: {فاطلع} [الصافات: 55].
قوله تعالى: {أَمَّا مَنِ استغنى} أي كان ذا ثروة وغِنًى {فَأَنتَ لَهُ تصدى} أي تَعَرَّضُ له، وتُصْغِي لكلامه.
والتصدِّي: الإصغاء؛ قال الراعي:
تصدى لوضَّاحٍ كأَنَّ جَبينه ** سراجُ الدُّجَى يَحْنِي إليه الأساورُ

وأصله تتصدَّد من الصَّدّ، وهو ما استقبلك، وصار قِبالتك؛ يقال: داري صدَدُ داره أي قِبالتها، نصب على الظرف.
وقيل: من الصَّدَى وهو العطش.
أي تتعرض له كما يتعرّض العطشان للماء، والمصَاداة: المعارضة.
وقراءة العامة {تصدى} بالتخفيف، على طرح التاء الثانية تخفيفاً.
وقرأ نافع وابن مَحيض بالتشديد على الإدغام.
{وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى} أي لا يهتدي هذا الكافر ولا يؤمن، إنما أنت رسول، ما عليك إلا البلاغ.
قوله تعالى: {وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يسعى} يطلب العلم لله {وَهُوَ يخشى} أي يخاف الله.
{فَأَنتَ عَنْهُ تلهى} أي تُعرض عنه بوجهك وتُشْغَل بغيره.
وأصله تتلهى؛ يقال: لَهِيتُ عن الشيء أَلْهَى: أي تشاغلت عنه.
والتلهي: التغافل.
ولَهِيتُ عنه وتَليتُ: بمعنى. اهـ.